فصل: مسألة عدة المرأة المتوفى عنها زوجها ممن تحيض:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة عدة المرأة المتوفى عنها زوجها ممن تحيض:

وسمعته وسأله ابن كنانة عن المرأة المتوفى عنها زوجها ممن تحيض، تعتد أربعة أشهر وعشرا، ولم تحض في ذلك، وذلك حالها أنها لا تحيض إلا في ستة أشهر، ولم تسترب، أتتزوج؟ فقال: لا تتزوج حتى تحيض وتبرأ من الريبة، قال سحنون: وقال لي ابن نافع: قد انقضت عدتها وهي غير مستبرأة، فلتنكح، ولا تنتظر شيئا، وإنما التي تنتظر التي تكون حيضتها أقل من أربعة أشهر، فتجاوز وقت الحيضة وهي تحيض.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة تفسير قول الله عز وجل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم:

قال أشهب: وسألته عن قول الله عز وجل: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، ما تلك الريبة في الحيض؟ لا تدري لِم لَمْ تحض؟ فقال: لا، ولكن الله ذكر التي تحيض، فبين عدتها، ثلاثة قروء، وذكر الحامل، فبين عدتها أن تضع حملها، وبقيت التي يئست من المحيض، واللائي لم تبلغ المحيض، فبين عدتهما، فقال: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يقول: إن ارتبتم فلم تدروا ما عدتهن ثلاثة أشهر، فجعل ثلاثة أشهر عدة الصغيرة التي لم تبلغ المحيض، وعدة التي يئست من المحيض. فقلت له: وليست تلك الريبة أن ترتاب في الحيضة، فلا تدري لم لم تحض؟ فقال: لا، إنما هي إن ارتبتم فلم تدروا بأي شيء يعتد من الحوامل، ولا من اللائي يحضن، فتعتد ثلاثة قروء.
قال محمد بن رشد: ذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في هذه الرواية، إلى أن الريبة في قول الله عز وجل: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] ريبة ماضية في الحكم، لا ريبة مستقبلة في معاودة الحيض لهن، وإن قوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} [الطلاق: 4] بمعنى: إذا ارتبتم. وذهب ابن بكير وإسماعيل القاضي إلى أن المعنى في قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4]، أي: إن ارتبتم في معاودة الحيض لهن، وأنها ريبة مستقبلة، قالا: ولو كانت ريبة ماضية في الحكم، لكان حقه أن يكون أن ارتبتم، بفتح الألف من أن. وقالا: إن اليأس في كلام العرب، إنما هو فيما لم ينقطع فيه الرجا تقول: يئست من المريض لشدة مرضه، ومن الغائب لبعد غيبته، ولا تقول: يئست من الميت الذي قد انقطع منه الرجا، فلو كان معنى الآيسة التي أوجب الله عليها في العدة ثلاثة أشهر، هي التي لا ترتاب في معاودة الحيض، لوجب إذا ارتفع عن المرأة المحيض، وهي في سن من يشبه أن تحيض أن تعتد بالأقراء، حتى تبلغ سن من لا يشبه أن تحيض، وإن بقيت عشرين سنة، كما يقول الشافعي. وهو خطأ من وجهين: أحدهما: أنها إن جاءت بولد لما لا تحمل له النساء من المدة التي لم يلحق به الولد، وإن كانت العدة لم تنقض، ومحال أن تعتد المرأة من زوج في مدة لا يلحق فيها به الولد.
والوجه الثاني: مخالفة ما جاء عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في عدة التي ترتفع حيضتها، وهي في سن من تحيض من مطالبة ثلاث حيض أو ستة بيضاء، لا دم فيها، فإذا قلنا: إن اليائسة التي أوجب الله عليها العدة بثلاثة أشهر، هي التي ترتاب، فلم تدر لِمَ لَم تحض؟ بدليل هذا، ألا تجب عدة على من لم تعلم أنها ممن لا تحيض لصغر أو كبر، ولا ترتاب في أمرها، إلا أنه لما لم يكن حد يرجع إليه، حمل الباب في ذلك محملا واحدا.
وقد ذهب ابن لبابة إلى أن الصغيرة التي لا تحيض ويومن الحمل منها لا عدة على واحدة منهما. وقال: إنه مذهب داود، وإنه القياس؛ لأن العدة إنما هي حفظ للأنساب، فإذا أمن الحمل، فلا معنى للعدة، وهو شذوذ من القول. وفي قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]، دليل على أن التي تطلق قبل الدخول والمسيس لها لا تجب عليها العدة، أُمن منها الحمل أو لم يؤمن، وإذا قلنا: إن اليائسة التي أوجب الله عليها العدة بثلاثة أشهر، هي التي لا ترتاب في الحيض؛ إذ ليست في سن من تحيض، وهو الذي ذهب إليه مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في هذه الرواية، فالتي ترتفع حيضتها بعد أن حاضت وهي في سن من تحيض، محمولة عليها إذا قعدت تسعة أشهر، فلم ير بها حيض، ولا ظهر بها حمل، ولا كان لها عذر يمنعها من الحيض، من مرض أو رضاع، على ما بيناه من الاختلاف في المرض في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم؛ لأنها بمعنى اليائسة، والسنة الثابتة في ذلك عن عمر بن الخطاب، فلا تحل المرأة المطلقة ولا حمل بها، إذا كانت في سن من تحيض، أو قد حاضت مرة أو مرتين إلا بثلاثة قروء، أو سنة بيضاء، لا دم فيها، تسعة أشهر استبراء، ينزل ببلوغها إليها دون أن نرى فيها دما، بمنزلة الآيسة، ثم ثلاثة أشهر عدة كما قال الله عز وجل.

.مسألة امرأة لها ولد صغير وله مال فهي تستنفق وخادمها من ماله:

وسئل عن امرأة لها ولد صغير، وله مال، فهي تستنفق وخادمها من ماله، فقال: أليس لها مال؟ قيل: بلى، قال: لو لم يكن لها مال لم يكن فيه شك، فأما إذا كان لها مال، فلينظر في ذلك، فإن كان ما تعمل إليه من الخدمة والحضانة، مثل الذي ينفق عليهم، فذلك جائز، وينظر، فإن كان يجد له من يخدمه وينفق عليه قيام جارية أمه عليه في الحضانة له والرفق به، بدون نفقة هذه، لم يكن لهم أن يستنفقوا من ماله.
قال محمد بن رشد: أجاز هاهنا للأم، وإن كان لها مال، أن تستنفق هي وخادمها من مال ولدها، إن كان ما تعمل إليه من الخدمة والحضانة، مثل ما تستنفق، فجعل لها في مال ولدها حظا بالحضانة، وذلك خلاف ما تقدم في رسم الطلاق الثاني من هذا السماع، وفي رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. ومثل ما في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح. وقد مضى القول على هذا المعنى هناك مستوفى فلا معنى لإعادته مرة أخرى، والحمد لله.

.مسألة توفي زوجها فتركت أولادها خمسة أشهر أو سبعة، ثم قيل لها أنت أحق بهم:

وسئل عمن توفي زوجها، فتركت أولادها خمسة أشهر، أو سبعة، ثم قيل لها: أنت أحق بهم، ما لم تنكح، فقالت: والله ما علمت بهذا. أترى لها في ذلك تكلما؟ قال: نعم، الشأن في هذا قريب، وقد تجهل السنة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في مواضع، ومضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة فارق امرأته وله منها بنت فطرحتها إليه ولحقت بأهلها فتأيمت عندهم ثم تزوجت:

ومن كتاب الأقضية:
وسئل عمن فارق امرأته وله منها بنت فطرحتها إليه، ولحقت بأهلها، فتأيمت عندهم ما شاء الله، ثم تزوجت لا تعرض للبنت ولا تريدها حتى ماتت، فلما ماتت، قامت أمها تطلب البنت بنت ابنتها لتأخذها، فقال: إن كان لذلك سنة أو أكثر من ذلك، وأشباه ذلك، فلا أرى ذلك لها، قد تركوها ورفضوها، وإن كان ليس ذلك إلا يسيرا فأرى ذلك لها.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة نحو التي فوقها، وقد تكرر هذا المعنى في مواضع من هذا الكتاب ومن غيره، ومضى تحصيل القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب.

.مسألة عبد كان تزوج أمة قوم فطلقها طلقة فأقام بذلك شهرا أو نحوه ثم لقيه سيدها فكلمه فيها:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
وسئل عن عبد كان تزوج أمة قوم، فطلقها طلقة، فأقام بذلك شهرا أو نحوه، ثم لقيه سيدها، فكلمه فيها، فقال: إني قد ارتجعتها، ثم أبق ولم يذكر ذلك إلا لسيدها، ولم يحق ذلك بدخول عليها ولا كينونة عندها، أيطلق عليه، أم يضرب له أجل المفقود؟ قال مالك: هذا شاهد واحد، فأرى أن يرفع ذلك إلى السلطان، فأرى للسلطان أن يفرق بينهما، ولا يضرب له أجل المفقود؛ لأن الرجعة لم يشهد عليها إلا شاهد واحد، فأرى أن يفرق بينهما.
قال محمد بن رشد: قول مالك: هذا شاهد، يفرق بينهما، ولا يضرب له أجل المفقود؛ لأن الرجعة لم يشهد عليها إلا رجل واحد، نص منه على إجازة شهادة السيد على ارتجاع أمته، خلاف قول ابن القاسم في كتاب إرخاء الستور من المدونة: إن شهادته على ارتجاعها لا تجوز، قياسا على ما قال مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: إن شهادته على إنكاحها لا تجوز، ولا اختلاف في أن شهادته على إنكاحها لا تجوز؛ لأنه يشهد على فعل نفسه ليجيزه، ولأن ذلك يوجب لها صداقا، فهو يتهم من أجل أنه له انتزاع مالها، وأما شهادته على ارتجاع الزوج لها، فقول مالك: إنها جائزة، أظهر من قول ابن القاسم؛ إذ لا تهمة على السيد في ذلك في مال يجره إليها، بل هو مقر على نفسه أنها باقية في عصمة الزوج، وذلك ينقص ثمنه، ويحول بينه وبين الاستمتاع بها. وقياس ابن القاسم الارتجاع على النكاح ليس بصحيح، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة اليهودي والنصراني يسلم قبل أن يدخل بها زوجها أله عليها رجعة إن أسلم:

ومن كتاب الطلاق:
وسئل عن امرأة اليهودي والنصراني يسلم قبل أن يدخل بها زوجها، أله عليها رجعة إن أسلم؟ فقال: لا رجعة له عليها، وكيف له عليها رجعة وهي ليست في عدة لا رجعة له عليها؟
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، إن المرأة إذا أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فلا سبيل له عليها إن أسلم بعد ذلك؛ إذ ليست في عدة منه؛ لأن السنة إنما جاءت في أنه أحق بها ما دامت في عدتها. وقد كان القياس ألا يكون له إليها سبيل إذا أسلمت قبله، دخل أو لم يدخل، إلا أنه ليس فيما قامت به السنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قياس ولا نظر. وظاهر قوله: إنها إذا أسلمت قبله، ولم يبن بها، أنه لا سبيل إليها وإن أسلم مكانها، خلاف ما في رسم النسمة من كتاب النكاح. وقد مضى القول على ذلك هنالك، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بابنته إلى ولي فتركها مع عمتها حتى بلغت الجارية أو كادت تبلغ:

ومن كتاب الوصايا الذي فيه الحج والزكاة:
قال أشهب: سمعت مالكا يسأل عمن أوصى بابنته إلى ولي، فتركها مع عمتها حتى بلغت الجارية، أو كادت تبلغ، ثم تزوجت العمة فطلبتها الجدة أم أمها، وأرادت أخذها، وأحبت الجارية أن تكون مع عمتها، ورضي بذلك الولي. قال: أرى أن تترك مع عمتها إذا أحبت ذلك الجارية ورضي بذلك الولي، ولا تأخذها الجدة إذا رضي بذلك الولي، قلت له: أرأيت أن تترك مع عمتها، ولا تأخذها الجدة إذا رضي بذلك الولي؟ قال: نعم، إذا رضي بذلك الولي، أو أحبت ذلك الجارية.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، والمعنى فيها أن الجدة لما تركتها مع عمتها المدة الطويلة، سقط حقها في حضانتها ولما تزوجت العمة أيضا، سقطت حضانتها بالتزويج، فرجع الأمر فيها إلى الولي، يتركها عند من شاء منهما، فإذا رضي الولي أن تكون مع عمتها وأحبت ذلك الجارية، لم يكن للجدة سبيل إلى أخذها. قال ابن نافع في المدنية: وتعزل في مكان مع عمتها وجدتها. قال ابن القاسم فيها: إن كانت عرضت على الجدة فأبت من أخذها، فلا سبيل لها إليها، وإن كانت لم تعرض عليها فهي أحق بها متى ما قامت، وقوله يأتي على أن السكوت ليس بإذن. وقد مضى هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم، وتكررت المسألة أيضا فوق هذا في هذا السماع وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق.
تم الجزء الأول من كتاب طلاق السنة بحمد الله تعالى وحسن عونه والصلاة الكاملة على سيدنا محمد خاتم النبيين.

.كتاب طلاق السنة الثاني:

.العبد وامرأته يكونان لرجل فيفقد العبد وهما نصرانيان أو مسلمان:

من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم، عن العبد وامرأته يكونان لرجل، فيفقد العبد، وهما نصرانيان أو مسلمان، إلا أن سيدهما مسلم، قال: يرفعه إلى الإمام، ويضرب له أجل المفقود، نصف أجل الحر المسلم، مسلمين كانا أو نصرانيين.
قلت: فإن ضرب له أجل المفقود، ثم عتقت الأمة، قال: إن اختارت نفسها رجعت إلى عدة المطلقة وتركت عدة المفقود.
قلت: فإن كانا نصرانيين، فأسلمت في أجل المفقود، قال: تترك عدة المفقود، وتعتد عدة المطلقة، فإن جاء زوجها في عدتها فأسلم، فهو أحق بها، وإن خرجت من عدتها وتزوجت، فلا سبيل له إليها وإن أسلم بعد ذلك، وإن كان قد أسلم في غيبته قبلها، ثم جاء فهو أحق بها، ما لم يدخل بها زوجها.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: وإن خرجت من عدتها وتزوجت فلا سبيل له إليها، وإن أسلم بعد ذلك، يريد بعد إسلامها لا بعد انقضاء عدتها؛ لأنه إن أسلم بعد انقضاء عدتها، فلا سبيل له إليها، وإن كانت لم تتزوج، وأما إن أسلم بعد انقضاء عدتها، فقيل: إنه لا سبيل له إليها إذا تزوجت، كما قال هاهنا. وقيل: إنه أحق بها وإن تزوجت، ما لم يدخل بها الزوج. اختلف في ذلك قول مالك، والذي اختار ابن القاسم وأشهب في المدونة من قولي مالك، أنها لا تفوت إلا بالدخول، خلاف قول ابن القاسم هاهنا. وأما إذا أسلم في غيبته قبلها، فقال ابن الماجشون: إنه أحق بها وإن دخل بها الزوج، واختاره محمد، وهو الصواب، خلاف قول ابن القاسم هاهنا وفي المدونة، فلا اختلاف في الذي أسلم قبلها أنها لا تفوت بالعقد. واختلف هل تفوت بالدخول؟ ولا اختلاف في الذي أسلم في عدتها أنها تفوت بالدخول. واختلف هل تفوت بالعقد؟ فهذا تحصيل القول في هذا الوجه من المسألة، وسائرها صحيح، جار على أصولهم، لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة المطلقة تستحاض فيستمر بها الدم سبعة أشهر أو ثمانية ثم ينقطع ذلك عنها:

وسئل عن المطلقة تستحاض، فيستمر بها الدم سبعة أشهر أو ثمانية، ثم ينقطع ذلك عنها، هل ترجع إلى الحيض؟ قال مالك: ترجع إلى الحيض. قيل له: أفتعد تلك الاستحاضة حيضة، تبني عليها حيضتين؟ قال: إن استيقنت أن الذي كان بها أول من الدم حيضة، اعتدت بها، وإلا استقبلت ثلاث حيض. وكذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: قوله في التي تستحاض فيستمر بها الدم سبعة أشهر أو ثمانية، ثم ينقطع، إنها ترجع إلى الحيض صحيح، لا اختلاف وكذلك قوله: إن استيقنت أن الذي كان بها أول من الدم حيضة اعتدت بها صحيح أيضا، إلا أنه لم يبين بما تستيقن به ذلك. وإذا طلقت المرأة وهي طاهر، فرأت الدم، وتمادى بها المدة الطويلة، فلا يخلو هذا الدم من أن تكون رأته قريبا من الدم الذي قبله، أو بعيدا منه، فإن كانت رأته قريبا من الدم الذي قبله، وكانت قد أقامت في الدم الذي قبله خمسة عشر يوما، أو أيامها المعتادة والاستظهار، فهذا الدم الذي رأته وتمادى بها المدة الطويلة، دم استحاضة، لا تعتد به في أقرائها، وتستقبل ثلاث حيض، وإن كانت رأته قريبا من الدم الذي قبله، وقد كانت أقامت في الدم الذي قبله من أيامها المعتادة والاستظهار، فهذا الدم الذي رأته وتمادى بها، تضيف منه إلى الدم الذي قبله تمام أيامها المعتادة والاستظهار، أو تمام خمسة عشر يوما، على اختلاف قول مالك ثم تغتسل وتصلي، وتكون في حكم من طلقت في الحيض، يجبر الزوج على الرجعة؛ لأنها حيضة تقطعت، والأيام التي بينهما ملغاة، وقد قيل: إنه لا يجبر على الرجعة؛ لأنه إنما طلقها وهي طاهر، فلم يرتكب نهيا، وهو بعيد، لوجود العلة الموجبة لأن يجبر على الرجعة، وهي التطويل في العدة، وتستقبل أيضا هاهنا ثلاث حيض، وإن كانت رأته بعيدا من الدم الذي قبله، فهو محمول على أنه حيض تعتد به في عدتها، وتقيم فيه أيامها المعتادة والاستظهار، أو خمسة عشر يوما على اختلاف قول مالك في ذلك، ثم تغتسل وتصلي أبدا، ما لم ترد ما تنكره بعد مدة يكون طهرا، فتترك الصلاة وتعد ذلك حيضة تعتد بها في عدتها، وقد قيل: إنها تعتد سنة، ولا تنظر إلى اختلاف الدم عليها. واختلف في المدة التي تكون طهرا فاصلا بين الحيضتين على أربعة أقوال: فقيل: خمسة أيام، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: ثمانية أيام، وهو قول سحنون، وقد قيل من المدونة بدليل، وقيل: عشرة أيام، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم، ورواية التونسيين عن مالك، وقيل: خمسة عشر يوما، وهو قول محمد بن مسلمة، ورواية البغداديين عن مالك واختيارهم، والله أعلم.

.مسألة يطلق امرأته طلقة ثم لا يشهد على رجعتها حتى تنقضي عدتها وهو يطأها:

ومن كتاب استأذن سيده:
قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يطلق امرأته طلقة، ثم لا يشهد على رجعتها حتى تنقضي عدتها، وهو في ذلك يطأها فقال: إن كان نوى بوطئه إياها الرجعة، وجهل أن يشهد، فإنه يقال له: أشهد وأمسك امرأتك كما كانت، وإن لم ينو بوطئه ارتجاعا، فعلم بذلك قبل أن تنقضي عدتها، قيل له: ارتجعها، ولا تمسها حتى تستبرئ نفسها من مائك الفاسد، الذي كان منك إليها بغير ارتجاع، وإن لم يتنبه لذلك حتى تنقضي عدتها، فقد بانت منه، فلا يحل له ولا لغيره نكاحها حتى تحيض ثلاث حيض.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الرجعة إنما تكون بالبينة مع القول، أو ما يقوم مقام القول، مما لا يصح فعله إلا بعد المراجعة من الوطء، والقبلة والمباشرة للذة وما أشبه ذلك. قاله في كتاب ابن المواز: فإن انفردت النية دون القول أو ما يقوم مقامه، لم يكن ذلك رجعة. قاله في كتاب ابن المواز ويدخل في ذلك عندي ما في الطلاق بالنية دون القول من الاختلاف، وأما إن انفرد القول دون النية، فلا يكون ذلك رجعة، وكذلك إن انفرد الوطء دون نية، لم يكن ذلك رجعة، وكان من فعل ذلك قد وطئ حراما فإن انتبه لذلك في العدة، كان له أن يراجع بالقول؛ إذ لا يصح له الوطء إلا بعد الاستبراء من ذلك الماء الفاسد، وإن لم ينتبه لذلك حتى انقضت العدة، فقال: إنه لا يحل له ولا لغيره نكاحها حتى تحيض ثلاث حيض، يريد أنه يستوي هو وغيره في المنع من النكاح ابتداء، ويفترقان في التحريم، إن نكح ودخل، فأما غيره فلا تحل له أبدا. وأما هو فقيل: إنها تحرم عليه، وقيل: إنها لا تحرم؛ لأن النسب ثابت منه. من علل التحريم، بتعجيل النكاح قبل بلوغ أجله خاصة، قال: إنها تحرم عليه، ومن علله بتعجيل النكاح قبل بلوغ أجل مع اختلاط الأنساب، قال: إنها لا تحرم عليه؛ إذ ليس في ذلك اختلاط نسب. والليث بن سعد يرى الوطء رجعة، وإن لم ينو به الرجعة، يريد، والله أعلم، في الحكم الظاهر، فإذا وطئ وقال: إنه لم يرد بوطئه الرجعة، لم يصدقه، وألزمه الرجعة، كما لا يصدق في القول إذ قال: إنه لم يرد به الرجعة عند الجميع، وبالله التوفيق.

.مسألة يموت عنها زوجها أو يطلقها فترتفع عنها حيضتها أو تستحاض كم تقيم:

وسألته عن التي يموت عنها زوجها أو يطلقها فترتفع عنها حيضتها، أو تستحاض، كم تقيم؟ وهل الأمة ذات الزوج والحرة في ذلك سواء في الأزواج؟ قال مالك: أما إذا طلقهما أزواجهما، فالمستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها سواء، وهو قول مالك، وليس عند الناس في ذلك اختلاف، أنهن يقمن اثني عشر شهرا، تسعة منها استبراء، وثلاثة عدة، إلا أن ترى حيضة، فتستقبل أقصى اثنا عشر شهرا، من حين تطهر من هذه الحيضة، فلا تزال كذلك أبدا حتى تحيض ثلاث حيض، أو تستكمل اثنا عشر شهرا، فلا ترى الدم فيها فتحل، وأما المتوفى عنها زوجها، فإن الحرة تعتد أربعة أشهر وعشرا، والأمة تعتد شهرين وخمس ليالي، ثم يقال لهما: ارتفاع الحيضة والاستحاضة ريبة، فانتظرا حتى يمر بكما تسعة أشهر أقصى الريبة، إلا أن يكون لهما عذر، مثل أن يكونا يرضعان، فترتفع عنهما الحيضة من أجل ذلك، أو يكونا لا يحيضان في السنة إلا مرة، أو في ستة أشهر مرة، أو غير ذلك من العذر فيتزوجان إن لم يكن لهما من الريبة شيء حين يفرغان من عدتهما، فإن لم يكن لهما من العذر شيء، فإن الاستحاضة وارتفاع الحيض من الريبة، ولا ينكحان حتى تمر بهما تسعة أشهر، من حين يهلك عنهما زوجاهما، إلا أن يرتابا بعد ذلك، فيقيمان حتى يخرجا من الريبة. والاستبراء من الريبة في الوفاة بعد العدة، وفى الطلاق قبل العدة، يقال للحرة في الوفاة: اعتدي أربعة أشهر وعشرا، وللأمة شهرين وخمس ليال، ثم استبريا أنفسكما بتمام تسعة أشهر، من حين يهلك زوجاكما، وفي الطلاق يقال للحرة وللأمة، انتظرا تسعة أشهر، من حين طلقكما زوجاكما، لعلكما تحيضان، والحرة والأمة في ذلك سواء، إلا أن الأمة تحل بحيضتين، والحرة بثلاثة، فإن مر بواحدة منهما تسعة أشهر ولم تحض، قيل لها: أنت ممن يئسن من المحيض، فاعتدي الآن ثلاثة أشهر، عدة التي قد يئست من المحيض، الحرة والأمة في الاستحاضة، وارتفاع الحيضة في الطلاق سواء. قال ابن القاسم: ولو أن الحرة أو الأمة المتوفى عنها زوجها حاضت حيضة واحدة في العدة، أو بعد العدة كفتها وحلت بها.
قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية بين المستحاضة والتي ترتفع حيضتها في الوفاة والطلاق، فقال: إنها تمكث في الطلاق تسعة أشهر، ثم تعتد بثلاثة أشهر، ثم تحل، وأما في الوفاة فلا تحل حتى تبلغ تسعة أشهر، وما قاله في الطلاق متفق عليه، إذا كانت المستحاضة لا تميز بين دم الحيضة من دم الاستحاضة. وأما إذا كانت تميز ما بين الدمين، فقد قيل: إنها تعتد بالأقراء، وتعمل على ما تميز، وقيل: إنها تعتد بسنة. قاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة إن عدة المستحاضة سنة، وأما في الوفاة فقد روي عن مالك أن المستحاضة تعتد فيها بأربعة أشهر وعشر، وتحل، بخلاف التي ترتفع حيضتها. وابن الماجشون يقول: إنه ليس على المستحاضة والمرتابة، أن يعتدا في الوفاة إلا بأربعة أشهر وعشر إذا لم يكن لهما من الريبة أكثر من ارتفاع الحيض والاستحاضة، فهي ثلاثة أقوال: وأما إذا لم يمر بالمتوفى عنها زوجها في الأربعة أشهر وعشر وقت حيضتها، أو كانت ترضع، فارتفع الحيض من أجل الرضاع، فإنها تحل بأربعة أشهر وعشر، إلا على رواية ابن كنانة عن مالك في سماع أشهب. واختلف في ارتفاع الحيض بالمرض، فقال أشهب: إن ذلك بمنزلة ارتفاعه بالرضاع، تحل المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر، وتعتد المطلقة بالأقراء، وإن تباعدت، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية: أو غير ذلك من العذر؛ إذ ليس ثم سوى ما ذكر، إلا المرض، وقد روى ابن القاسم عن مالك وقال به: إن ارتفاع الحيض مع المرض ريبة كالصحيحة سواء، فتتربص المتوفى عنها إلى تمام تسعة أشهر، وتعتد المطلقة سنة؛ تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة، والأمة والحرة في ذلك كله سواء، إلا أن الأمة تحل بحيضتين إذا اعتدت بالأقراء، وتحل في الوفاة بشهرين وخمس ليال، حيث ما تحل الحرة بأربعة أشهر وعشر، إلا أن تكون ممن لا يومن الحمل منها، فتتربص إلى تمام ثلاثة أشهر؛ إذ لا يتبين الحمل في أقل من ثلاثة أشهر.

.مسألة أقر عند قوم أنه بارا امرأته ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبار:

ومن كتاب بع ولا نقصان عليك:
وسئل عن رجل أقر عند قوم أنه بارا امرأته، ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبار، وأنكرت هي أن تكون بارته، قال: إذا شهد عليه بإقراره، بانت منه بواحدة، ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد، وإن مات في عدتها ورثته ولم يرثها.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة في الميراث لا يصح بوجه؛ لأنه قال فيها: إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة، ولا رجعة له عليها. فقوله: ولا رجعة له عليها، يدل على أن الشهادة كانت عليه في حياته، فإذا حكم عليه في حياته بأنها بائنة منه وجب ألا يكون بينهما ميراث، ولو كانت الشهادة عليه بعد موته، لوجب على ما قلناه، في معنى مسألة رسم طلق من سماع ابن القاسم، أن ترثه ولا يرثها مات في العدة أو بعدها؛ لأنه طلاق بائن، فلا وجه لقوله: وإن مات في عدتها على حال، والله أعلم.

.مسألة المرأة تكون في عدتها وهي ساكنة في دار مع أبيها:

ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام:
وسئل عن المرأة تكون في عدتها وهي ساكنة في دار مع أبيها، وأبوها مريض، هل ترى أن تبيت عند أبيها؟ قال: لا تبيت إلا في بيتها، قيل له: فتمكث عنده إلى نصف الليل، قال: لا تمكث عنده إلى نصف الليل وتخف المقام عنده بالليل، ولا بأس أن تخرج إليه عند طلوع الفجر أو قبله بيسير.
قال محمد بن رشد: هذا معنى ما في المدونة سواء، وهو صحيح؛ لأن المعتدة ممنوعة من المبيت في غير بيتها، فلا يجوز لها أن تمكث من الليل في غير بيتها ما يسمى مبيتا، وهو أكثر من نصف الليل، ومن الدليل على ذلك، أن من لقي قبل نصف الليل، صح أن يسأل: أين تبيت؟ ولم يصح أن يسأل: أين بات؟ ومن لقي نصف الليل صح أن يسأل أين بات؟ ولم يصح أن يسأل أين تبيت؟ ومن أقام نصف الليل، سواء في موضع، ونصفه في موضع آخر، لم يصح أن يقال: إنه بات في أحد الموضعين دون الآخر، فلذلك منع مالك المرأة أن تمكث عند أبيها إلى نصف الليل، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق ألبتة إن راجعتك:

ومن كتاب سلف دينارا في ثوب:
قال ابن القاسم: في رجل قال لامرأته: أنت طالق، وأنت طالق ألبتة، إن راجعتك، فأراد أن يراجعها بنكاح جديد بعدما خرجت من عدتها، وقال: إنما أردت ما دامت في عدتها، ألا أرتجعها في تلك الطلقة، قال: إن كانت عليه بينة لم أدينه، وإن لم تكن عليه بينة دينته ذلك، وإن لم تكن له نية، رأيت أن أرتجعها بنكاح جديد، أن تطلق ألبتة وهو بين.
قال محمد بن رشد: أما إذا أتى مستفتيا وحده غير مخاصم، فلا اختلاف في أنه ينوّى بغير يمين، ويباح له مراجعتها، وأما إذا أراد أن يتزوجها فمنع من ذلك، وروفع، ولا بينة عليه، إلا أنه أقر باليمين أو على يمينه بينة، فلا تقبل منه البينة، ولا يمكن من مراجعتها؛ لأن نيته التي يدعي، مخالفة لحقيقة لفظه؛ إذ إنما حلف ألا يراجعها، ولو كان إنما حلف ألا يرتجعها على ما وقع في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، لنوي مع قيام البينة؛ لأن حقيقة لفظ الارتجاع، إنما هو في العدة، وحقيقة لفظ المراجعة، إنما هو بعد العدة؛ لأن المراجعة مفاعلة من اثنين، وكذلك لو قيم عليه بعد أن راجعها وأتى مستفتيا. الحكم في ذلك سواء. وكذلك لو ارتجعها في العدة، وكانت يمينه ألا يرتجعها، وقال: إنما أردت ألا أراجعها بعد العدة إذا أتى مستفتيا نوي، وإن قيم عليه وعلى يمينه بينة أو كان مقرا باليمين، فرق بينهما ولم ينوَّ، وإن كان إنما حلف ألا يراجعها ولم يحلف ألا يرتجعها لنوي مع يمينه، على ما في رسم العرية من سماع عيسى، من الأيمان بالطلاق، خلاف ما في سماع أصبغ عن ابن القاسم منه، وبالله التوفيق.